البدو الرحل يتحدون قساوة الطبيعة بوسائل بسيطة
مع اقتراب عيد الأضحى تبدأ العائلات في البحث عن كباش العيد بين الأسواق لضمان الأضحية الجيدة وبالأسعار المناسبة ، كما يكثر الحديث عن الارتفاع الكبير في أسعار المواشي وكل يحمل المسؤولية للموال. لكن لا أحد تساءل عن مصدر هذه الأضاحي ولا عن الأطراف التي تتعب من أجل أن يضمن كل مواطن جزائري حقه من أضحية عيد الأضحى وكيف تصل هذه المواشي من بوابة الصحراء و السهوب ذات الطبيعة الصعبة خاصة في فصل الشتاء ، بالإضافة إلى مشاكل الأمراض والأوبئة واللصوص ، إنهم البدو الرحل الذين يعيشون حياة الترحال في الخيام بحثا عن المراعي والماء.
«الشعب» رصدت نشا طهم السنوات الماضية وتعود هذه المرة للوقوف على اخر المستجدات.
ان المتجول بالمناطق السهبية بجنوب تلمسان،حيث تعيش المئات من عائلات البدو الرحل بكل من سهوب القور ،العريشة، ماقورة وسيدي الجيلالي وصولا إلى حدود النعامة جنوبا ورأس الماء شرقا يقف على المعاناة التي يكابدها البدو الرحل الدين يسهرون على توفير الآلاف من رؤوس الماشية سنويا.
ويقع على عاتقها تزويد السوق باللحوم والأضاحي و اللحوم والرؤوس الموجهة إلى الحفلات وتضمن تفادي الندرة في الماشية خصوصا في مواسم الصيف ،حيث تكثر الأعراس وخلال شهر رمضان المعظم وكذا موسم عيد الأضحى ،هؤلاء البدو الرحل يعيشون حياة صعبة تنعدم فيها أدنى شروط الحياة ،يعيشون في خيم محرومة من الكهرباء والغاز حيث يعتمدون على الشموع للإنارة والحطب للطبخ والتدفئة أنهم ، إنهم أشخاص يمارسون مهنة الرعي كنشاط رئيسي دون سواه و لم يعرفوا غيره في حياتهم , كما انهم و رثو النشاط المهني هذا ابا عن جدا لعشرات السنين ,.
يبدؤون رحلتهم في الرعي قبل طلوع الشمس يوميا في مظهر مألوف و برنامج يتكرر كل صباح مع بدايات الفجر مباشرة غايتهم تقديم الأفضل و الضروري للقطيع في موكب يقطع المسافات بهدوء و ببطء شديد , ميزته ألفة و علاقة توافق و مؤانسة غير مسبوقة بين الموال و قطيعه و علاقة أخوية و حب و تواصل يتم فقط بالإشارات والإيماءات , قاصدين سهوبا تكاد تكون عارية من الأعشاب صيفا ما يجعلهم عرضة للحر والعطش و حتي لسعات الحشرات وهجوم الضواري.
كما يقصدون مواقع الماء التي هي عبارة عن برك راكدة صيفا وأودية وجداول شتاء والتي يتخذها الرعاة لأنفسهم مصدرا للشرب غير مبالين بالأمراض ولا الأوبئة, و تمثل مع ذلك الأحراش أيضا فضاء مناسبا لإشباع مواشيهم بالغداء و الكلأ الطبيعي , ويبقى الهدف في كل ذلك العمل رغم صعوبته و قساوته , تقديم ما أمكن ليكون القطيع مرتاحة و تأكل اكبر كمية ممكنة لضمان سلامة نموها .
أولاد نهار، حميان، أولاد ورياش وأهل انقاد...، قبائل معروفة وللقطيع مألوفة
تعرف المنطقة الجنوبية لتلمسان انتشارا واسعا لقبائل معروفة بتربية المواشي ، انها قبائل وعروش متفرعة تمتهن تربية المواشي أبا عن جد انها قبائل أولاد نهار بفروعها ال12 و التي ترتكز من سبدو إلى سيدي الجيلالي والبويهي غربا الى العريشة جنوبا تتقاسم سبدو مع قبيلة أولاد ورياش في حين تتقاسم مدينة العريشة مع عرب حميان الذي يمتد وجودهم من المناطق الشمالية للنعامة الى غاية العريشة وما جاورها .
ويجاورهم من جهة الشرق أهل انقاد الذين استوطنوا منطقة القور ، هذه القبائل التي تتعايش في امن وسلام على مصاعب الحياة بالسهوب ،لكن لا يهم الرعاة و لا الموالون و الذين يطلق عليهم لدى أهل المنطقة باسم «الكسابة» , يبتعدون عن أماكن إقامتهم اثناء ممارستهم نشاط الرعي لا تهمهم المشاق التي تلاقيهم يوميا و لا حتى تلك الصعوبات او الأخطار التي تهددهم يوميا و التي لا يمكن توقعها , فهم معرضون للسعات العقارب السامة و لدغات الأفاعي و حتى الحشرات السامة, ناهيك عن الحيوانات المفترسة لا سيما الذئاب التي تترصدهم بشكل شبه يومي و تفاجئهم بشكل رهيب.
فقد يستغل الذئب فترة نوم الراعي و قيلولته لينقض على إحدى الخراف أو حتى لحظة غفلة منه , وما يزيد من خطورة الوضع انه عند وقوع هذه الحوادث , لا يمكن التدخل او الحصول على المساعدة من طرف شخص آخر فالراعي يواجهها لوحده لأنه وببساطة موجود في مكان بعيد عن العالم الخارجي وبكيلومترات عدة عن منزله, ولا يسمع أي رد مهما صرخ او نادى عند الضرورة, وسلاحه متعدد الأنماط, فللدفاع عن نفسه يستعين بعصى تقليدية وفي مواجهته ضد الطبيعة وقساوتها يكون لديه الماء الذي يخزن في ما يسمى بالقربة المصنوعة من جلد الماعز والتي تملأ بالماء ممزوجا بالقطران الذي يعطيها مذاقا خاصا ونكهة فريدة ويحافظ على البرودة بشكل كبير بتقنيات توارثوها هي الأخرى من جيل لأخر.
وكما ان العمل لا يستثني الرجل ولا المرأة ولا يفرق بين الأعمار، فلا يستغرب الانسان عندما يلحظ راعي بعمر يقل عن العشرة سنوات، إلا ان ملامح هذا الاخير تشير الى انه على مقربة من العشرينات او اكثر بفعل صفاته وملامحه وهيئته ورجولته التي تخطت طفولته، كما لا يشكل ايضا دهشة اذا كان صاحب هذه المهنة الشاقة ولد او فتاة، وهم ايضا معرضين لنفس الاخطار، في ظل مثل هذه الصعوبات التي شكلها القدر و قساوة الحيا ة و تحدياتها، لا سيما وان تضاريس المناطق السهبية التي تشكل حاجزا طبيعيا بين التل و الصحراء جمعت في قساوتها بين الجانبين وتزيد معاناتهم.
بالمقابل ومع ذلك فان هذه الوضع يزيدهم اصرارا على التمسك بمظاهر حياتهم البسيطة، ولا يقتصر الامر عند هذا الحد، بل ان الظروف المناخية القاسية التي تعترضهم على مدار فصول السنة من برد قاسي وشتاء ممطر و حرارة عالية في فصل الصيف أين يضطر الرعاة الى قضاء ازيد من اثني عشرة ساعة يصارعون اشعة الشمس من اجل رعي افضل، ايمانهم في ذلك انه اي خلل في نظام الغذاء للمواشي قد يتسبب في هلاك او نفوق البعض منها.
في حالات اخرى قد لا تنمو بشكل سليم وهو ما يكون له انعكاس سلبي على سوق البيع و التجارة و يتسبب لهم في متاعب اجتماعية، و ما ينطبق على الصيف ينطبق على فصل الشتاء ايضا و الذي يدق ابوابه ، فالرعاة و الموالون بالجهة يصارعون قساوة الطبيعة و انخفاض درجات الحرارة في هذه المناطق المعروفة بانها اكثر جهات تلمسان برودة و التي تصل معدلاتها الى أقل من 0 درجة .
تشهد هي الأخرى تهاطلا للثلوج و الصقيع ، و التي تستمر لعدة ايام و احيانا لعدة اسابيع و تنخفض درجات الحرارة الى أدنى مستوياتها , و هو وضع يجب عليهم قبوله و تحديه , و هم يدركون ذلك جيدا و هكذا يقضون ايامهم في الترحال رفقة مئات و احيانا الاف القطيع دفعة واحدة في ثروة تقدر بمئات الملايين من السنتيمات يقودها شخص واحد .
الترحال بالخيم ميزة الكسابة ومكان الماء والكلإ أفضل موقع للإقامة
في ظل هذه الظروف القاسية و مع كل هذه الصعوبات منها الموضوعية و التي هي بمثابة القدر المحتوم و اخرى فرضت عليهم ، حيث ان الترحال شيمتهم فهم يحملون خيمهم المصنوعة من الوبر وزريبتهم من الشباك ويهيمون في السهوب بحثا عن الكلا والماء التي تشكل أساس الاستقرار .
هذه الفئة تتجسد في مبدأ حياتها الاجتماعية ما يعرف بأصالة الثقافة و العادات الخاصة بهم والاعتماد على النفس، في كل تحقيق كل مآثرها المادية والمعنوية ، و عدم الاتكال على الغير و يظهر ذلك جليا في لباسهم الذي يصنع محليا و البسيط وعاداتهم وتقاليدهم و أكلاتهم البسيطة وإذا بحث عنهم فإنك أينما وليت نظرك في هذه الجهة الجنوبية من ولاية تلمسان ، تتراءى لك الخيام منتصبة هنا وهناك و ان كانت متباعدة ببضع العشرات من الأمتار في ما بينها محاطة بما يسمى بالزريبة ، شامخة تشهد على أصالة ثقافة الحياة البسيطة واعتزاز البدو بها و بالتمسك بها، فلن تضيق بهم الأرض في هذه الجغرافيا التي تشبه لكل من يلجها او يراها لأول مرة يضن انها نفس الفئة التي كانت سائدة قبل الاستقلال ، لان حياتها لم تتغير رغم ان مدن حضرية لا تبعد عنها سوى بكيلومترات معدودا ما يشكل تناقضا اجتماعيا كبير.
ورغم ذلك لا يبالي هؤلاء الرعاة و البدو بشكل عام إطلاقا بما يسمى بالتكنولوجيا و الرفاهية في الحياة ، بل ان البعض منهم لا يعرف معناها وآخرون لا يدركون بما يحدث في العالم الخارجي سواء في شقها السياسي او الاجتماعي او مجالاتها الأخرى ، حتى ان اغلب أطفالهم يتركون المدرسة مبكرا لممارسة الرعي وبذلك فقد اكتسبوا من خصوصية المناطق السهبية الكثير من الخصال التي تتلاءم و طبيعتها الصعبة و منها الصبر والمغامرة و الرجولة بمعناها الحقيقي والشجاعة و تدبر الأمر عند الحاجة و التكيف مع الحالات الاستعجالية.
هي مبادئ قد لا تتوفر عند اهل الحضر ، بل يصعب عليهم التميز بها، و بذلك اصبحت هذه الجهات السهبية صديقة و اليفة مع الرعاة وهم عمودها الفقري والاساسي ولن تقبل بغيرهم ليشكل كلاهما ثنائي متكامل ومنسجم يرفض ان يصبح في يوم ما ثلاثيا، اذا ما استثنينا الذئاب والضواري والغربان التي تكثر بهذه الناحية.
كما لا يمكن تصور اي نشاط بهده المناطق دونها، وليس هذا فحسب بل يعتمدون ايضا في غدائهم اليومي على اطباق بسيطة للغاية ومغذية الى درجة كبيرة كالحساء بأنواعه و التمر الذي لا يفارقهم اطلاقا والحليب الطازج و اطباق الكسكسي، اضافة الى براعة بناتهم في انجاز الخبز التقليدي بأنواعه.
الصراع على مواقع الرعي سنَّة والاعتداءات وسرقة المواشي هاجسهم
يعيش الموالين صراعات دائمة قد تصل إلى الضرب والجرح العمدي بالعصي ، وتتوسع الصراعات الى قبائل كاملة أحيانا تعجز مصالح الدرك عن حل مشاكلهم بفعل تعقدها ، ما يجعل الحل الودي بتدخل كبار العرش الحل الوحيد ، واشتدت الصراعات مؤخرا بفعل تقلص مساحات الرعي من جهة وتوسع عملية الحرث العشوائي، وفشل المحافظة السامية لترقية وتطوير السهوب في النهوض بالمنطقة وتحسين أدائها، ما خلق صراعات يومية خلقت العداوة ما بين أبناء العرش الواحد.
من جانب آخر يعاني الموالين مع اقتراب عيد الأضحى من ، إغارات اللصوص لنهب مواشيهم ما يجعلهم يعيشون اوقاتا عصيبة تلزمهم الحراسة الليلية ، هذا وقد أشار أحد البدو الرحل بمنطقة بلحاجي بوسيف عن ظهور ظاهرة تفشت بشكل رهيب خلال السنوات الاخيرة بالمنطقة ، فقد تضاعفت الاعتداءات على البدو الرحل كثيرا، من خلال عصابات يجهل أحيانا حتى الكشف عن هويتها فبعدما كانت الجماعات الارهابية تطلب مبالغا ماليا و قطيع من الاغنام .
أصبحت شبكات اللصوص المنظمة تقوم بنفس العمل تحت اسم الارهاب ، و كثيرا ما تكون شبكات التهريب الاكثر تهديدا لهم، لا سيما و انها تضاعف من عملياتها حسب الظروف و مع اقتراب عيد الاضحى مثلا او رمضان ، و مع ذلك تسرق مئات القطيع و تقوم مباشرة بتهريبها وفق برنامج و مخطط مدرس الى المغرب مما يكبد الاقتصاد الوطني خسائر معتبرة و يجعل أتعاب البدو تذهب سدى.
ما زاد من تضاعف هذه العمليات ايضا قرب اماكن تواجد البدو من الشريط الحدودي مع المغرب، ناهيك عن شساعة المنطقة ما يجعل مافيا التهريب تعمل باحترافية كبيرة في ظل معرفة الطبيعة الجغرافية للمنطقة و حرمان البدو الرحل من رخص حمل السلاح خلال العشرية السوداء ما جعل أملاكهم مهددة بالضياع والتي منعتها ولاية تلمسان لكن اليوم وبعد التصريح بالرخص خلال السنوات الأخيرة أصبحت حياة البدو الرحل وأملاكهم أكثر أمانا بوجود السلاح .
من جانب آخر أصبحت الثروة الحيوانية مهددة في سلالتها من خلال ظهور شبكات جزائرية مغربية باشرت حملة لتهريب سلالة مغربية مصابة بأمراض خطيرة من شأنها أن تؤثر على السلالة الجزائرية القحة المعروفة بجودة لحومها وصوفها .
ويطالب الموالين من السلطات الفلاحية بضرورة تمكينهم من الطاقة الشمسية وحماية الحدود من دخول الأغنام المغربية المريضة التي قد تؤثر سلبا على السلالة الجزائرية، وأشار أحد كبار الموالين سنا والمعروف بتنقله ما بين الولايات والبدو الرحل بصفته كبيرهم أن نفس المشاكل تعيشها مناطق النعامة وجنوب بلعباس والبيض وسعيدة، مايستوجب على الحكومة توفير الدعم للموالين وتوفير المشاريع بالسهوب خاصة المياه والكلأ للمساهمة في انتاج اللحوم والأصواف والحليب ولما لا تصديرها في إطار برنامج خلق الثروة خارج المحروقات.